أخدت بيداغوجيا الوضعية-المشكلة تتبوأ شيئا فشيئا مكانة مهمة داخل بنية الكتب المدرسية الجديدية لمادة الفلسفة، لمواكبة التغييرات التي طرأت على المناهج الدراسية والتوجهات التربوية العامة كما وردت في الكتاب الأبيض. وسنتوقف هنا عند تجربة كتاب "في رحاب الفلسفة" على أساس أن نستخلص منها ما يمكن أن يساهم في التحديد الدقيق لخصائص ووظائف الوضعية-المشكلة في درس الفلسفة
ماليس وضعية مشكلة:
بذل مؤلفوا الكتاب المدرسي (رحاب الفلسفة) بدون شك جهودا محمودة في إخراج كتاب مدرسي يراعي شكلا ومضمونا المستوى المعرفي والخصائص السيكلوجية للذين يتوجه إليهم الكتاب، ويقطع مع تصور "الأبراج العاجية" التي تمترس خلفه سلفه السابق ؛ بيد أنهم سقطوا -فيما يتعلق بالوضعية المشكلة - في نوع من التنميط الذي لامبررر له:
فقد اختزلت الوضعيات المشكلة المستهلة للدروس في صيغة نصية "عالمة" تمثلت في مقتطفات من كتب تنتمي إلى سجلات أدبية وجمالية تحتاج بدورها إلى "توسط" بيداغوجي لفهمها من قبل المتعلمين واستيعاب دلالاتها فما بالك بإدراك الاستشكالات الثاوية خلفها: إن نصوص جبرا ابراهيم جبرا ومحمد برادة وخليل المرابط وأحمد عيدون الباحث في التراث، تعني الشيء الكثير للمطلع، ولكنها "لاتقول" شيئا لمتعلمين مبتدئين، خصوصا وأنها ليست نصوصا للتحليل ترد كمثيلاتها أثناء البناء الإشكالي للمفهوم. حيث يفترض التوقف عندها وتقريب دلالاتها من أفهام المتعلمين
ومن واقع تجربتنا الفصلية المتواضعة، نستطيع أن نزعم انها لاتضع المتعلم في أية وضعية مشكلة حقيقية، ومقلقلة تستنفر مداركه وتعلماته السابقة، وتدفعه إلى الإنخراط الفعال في عملية التعلم الذاتي بحثا عن حلول للوضعية.. وبالمقابل فإن نص السفير-الرحالة ادريس العمراوي مثلا حيث يصف بكل اندهاش "البابور" أي القطار البخاري أثناء رحلته إلى باريز حوالي سنة 1867 - هذا النص يثير بالفعل نواة وضعية مشكلة لأن بإمكان المتعلم أن يتمثل الموقف ويضع نفسه مكان سلفه , وهو وفي وضعية "صدمة التقنية"![/size]
مواصفات الوضعية المشكلة:
إن المستهدف بيداغوجيا من الوضعية المشكلة، وبكل بساطة، هو أن "تضع" المتعلم "في مشكلة" !
ولن يتأتى ذلك مثلا بنص جبرا ابراهيم جبرا وهو يصف تجربة وجودية رفيعة ينذر أن يعيشها المتعلم على الأقل بالألفاظ التي قدمت بها في النص؛ صحيح أن نص برادة يقدم تجربة "طازجة" من تجاويف الذاكرة حيث يمتزج الحنين إلى الأم بصور إيروسية، ولكن ماهي الوضعية المشكلة المقلقة والمحرجة هنا؟
إن وضعية مشكلة في الرياضيات لن تكون سلسلة معادلات رياضية عددية، وإنما على سبيل المثال، مشكلة البقال وهو يحاول أن يقسم شيئا بين زبونتين؛ وفي حصة للفيزياء عن الكتلة الحجمية، لن تكون الوضعية-المشكلة نصا من كتاب نيوتن بل وضعية نريد ان نعرف فيها الحليب المغشوش من الخالص!
[size=12]أريد ان أخلص من كل ما سبق إلى انه لابد للوضعية-المشكلة:
<LI>
أن تكون أولا - "وضعية" أي موقفا أو تجربة حياة يمكن للمتعلم بكل يسر أن يدركها في كليتها وأن يختبرها أو يتماهى مع صاحبها، وليست تأملات لأن التأملات خلاصة تجربة وليست تجربة في بعدها الخام الأول au premier degré
<LI>
- أن تكون ثانيا "مشكلة" أي أن تكون إما مأزقا منطقيا (مفارقة) أو مأزقا سيكلوجيا (حيرة وإحراج) يطرح نفسه بإلحاح بحيث لايمكن للتلميذ ان يتخد إزاءه موقف اللامبالاة، بل يسارع إلى الانخراط في لعبة البحث عن الحل!
ولاشيء يشحذ همة الفكر ويزعجه ويوقظه من سباته ونزوعه التلقائي إلى الكسل واللامبالاة أفضل من المفارقات والمواقف المحرجة.
</LI>